المدارس بوابة بناء الدولة ونهضة المجتمع
مقدمة
في معترك الحياة الحديثة وتحديات القرن الحادي والعشرين، تبرز المدرسة كأحد أعمدة المجتمعات الحية والدول الناهضة. ليست المدرسة مجرد مبنى يحتضن التلاميذ، بل هي مؤسسة حضارية، تصنع العقول وتغرس القيم وتبني الإنسان الذي يُبنى به الوطن.
المدرسة… بداية الحكاية
كل حلم عظيم يبدأ من مقعدٍ دراسي صغير، من معلمٍ يكتب على السبورة أول حرف في حياة طفل، من طابور صباحي ترتفع فيه الأناشيد الوطنية في قلوب الغد الواعد. في المدرسة يتعلم الطفل القراءة والكتابة، لكنه في الوقت ذاته يتعلم الانضباط، التعاون، احترام النظام، وتقبّل الآخر. هناك يُزرع فيه أول بذور الانتماء الوطني، ويبدأ في رسم ملامح ذاته وهويته وشخصيته.
التعليم أساس النهضة
عبر التاريخ، لم تنهض أمة إلا وسبقتها نهضة تعليمية حقيقية. اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وماليزيا في مرحلة التحول الاقتصادي، وسنغافورة الصغيرة التي أصبحت قوة عالمية؛ جميعها قصص نجاح كان التعليم فيها هو المحور الأساس.
المدرسة هي اللبنة الأولى في صرح التعليم. فيها تُبنى العقول التي ستقود المصانع، تُشغّل التكنولوجيا، تبتكر الحلول، وتؤسس لاقتصاد معرفي. بالتعليم وحده تتحول الموارد البشرية إلى ثروة وطنية، وبالمدارس ينمو الجيل القادر على التفكير الناقد، والتحليل، وصناعة القرار.
الدور التربوي للمدرسة
بعيداً عن البعد الأكاديمي، تلعب المدارس دوراً محورياً في التنشئة الاجتماعية والتربوية. فهي بيئة متكاملة تُكمل دور الأسرة وتساهم في تشكيل السلوك والقيم.
في المدرسة يتعلم الطفل:
- احترام القانون من خلال الالتزام بأنظمة المدرسة.
- العمل الجماعي من خلال النشاطات الصفية واللاصفية.
- المسؤولية من خلال الواجبات والتكاليف اليومية.
- القيادة من خلال الأنشطة الطلابية والمبادرات.
هذا الدور التربوي هو ما يصنع الفارق بين التعليم كعملية ميكانيكية وبين التعليم كوسيلة حضارية لصناعة المواطن الصالح.
المدرسة والمواطنة
في المدرسة تُزرع بذور المواطنة الحقيقية. فهي المكان الذي يفهم فيه الطفل معنى أن يكون له حقٌ في التعلم، وفي الوقت نفسه واجبٌ تجاه وطنه. حين يتعلم الطفل تاريخ بلاده، وجغرافيتها، وثقافتها، يترسخ فيه الإحساس بالانتماء، ويصبح مستعداً لبذل الجهد في سبيل رفعتها وتقدمها.
المدارس التي تزرع روح الانتماء والإحساس بالمسؤولية، تصنع مواطنين لا ينتظرون التغيير، بل يصنعونه.
تحديات تواجه المدارس
ورغم أهمية المدارس، فإن الكثير منها في عالمنا العربي يواجه تحديات متعددة، منها:
- البنية التحتية الضعيفة: مدارس متهالكة، تفتقر إلى التجهيزات الأساسية من مقاعد ومختبرات ومكتبات.
- نقص الكوادر المؤهلة: ضعف في إعداد وتأهيل المعلمين، وهو ما ينعكس سلباً على جودة التعليم.
- ازدحام الفصول الدراسية: مما يعيق إيصال الرسالة التربوية بكفاءة.
- الفجوة بين المناهج وسوق العمل: حيث لا تواكب المناهج احتياجات العصر، ولا تُعِد الطالب بشكل فعّال للحياة المهنية.
هذه التحديات تتطلب إصلاحاً جذرياً شاملاً، يبدأ من وضع التعليم كأولوية وطنية، وتخصيص الميزانيات الكافية له، والاستثمار في تدريب المعلمين، وتطوير المناهج وربطها بالتكنولوجيا الحديثة.
المدارس في أوقات الأزمات
في مناطق الحروب والكوارث، كما في سوريا واليمن وفلسطين وأماكن أخرى، تصبح المدرسة أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية. تصبح رمزاً للصمود، ومأوى للأمل، وجسراً يربط الأطفال بالحياة.
عندما تُقصف المدارس، لا يُهدم جدار فقط، بل يُهدد مستقبل أمة. وحين يُحرم طفل من التعليم، فإننا نخسر طبيباً محتملاً، مهندساً، معلماً، وربما قائداً وطنياً. لذلك، فإن حماية المدارس وإعادة إعمارها يجب أن يكون من أولويات أي خطة إنسانية وتنموية.
غراس الخير ومدرسة عائشة في سوريا
لعبت جمعية غراس الخير في سوريا دور مميز وعظيم في دعم العملية التعليمية في سوريا في ظل الأزمة الإنسانية الكبيرة التي عاشتها سوريا خلال الحرب المدمرة السابقة التي دمرت وشلت معظم مرافق العملية التعليمية، حيث قامت جمعية غراس الخير بالتعاون مع الشركاء بفتح مدرسة عائشة أم المؤمنين في الشمال السوري التي أحتضنت العديد من الطلاب الأيتام وقدمت لهم الدعم المادي والنفسي من خلال برامج تربوية وتعليمية خاصة، يمكنكم دعم مدرسة عائشة ام المؤمنين من خلال الرابط التالي
الخاتمة: المدرسة تصنع الأوطان
المدرسة ليست بوابة للعلم فقط، بل هي بوابة لبناء الدولة ونهضة المجتمع. هي القاعدة التي تُبنى عليها جميع مجالات التنمية: الاقتصاد، الصحة، الثقافة، والسياسة. هي المكان الذي تُصقل فيه العقول، وتُعدّ فيه الأجيال لمواجهة تحديات المستقبل.
كل طفل يجلس اليوم على مقعد دراسي هو مشروع نهضة. وكل معلم يُخلص في عمله هو حجر في أساس وطنٍ قوي. فلنحافظ على مدارسنا، ولندعمها، فهي ليست فقط مؤسسات تعليمية، بل هي مصانع قادة الغد.